أنواع
تفسير القرآن بالقرآن
أولا: إرجاع المتشابه إلى المحكم
الآية
المحكمة هي الآية الواضحة التي لا مجال للخلاف فيها مثل قوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)
أما الآية المتشابهة فهي بخلاف ذلك كقوله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) فأن
لفظ (يد) توهم باتصاف الله عز وجل بالجسمانية.
و
إذا وجدنا آيات متشابهات فالأصل عدم الاعتماد على المعنى الظاهري فيها بل نرجع إلى
الآيات المحكمات لفهمها و توضيحها .
و
يقوم منهج تفسير القرآن بالقرآن بهذه المهمة حيث تقوم الآية المحكمة بتفسير الآية
المتشابه؛ فإذا أردنا استنطاق الآيتين السابقتين نجد أن:
1-
الآية المحكمة تنفي مشابهة الله لكل شيء ومن بين ما تنفيه صفة الجسمية التي تتصف
بها الاشياء
2-
الآية المتشابه فأن ظاهرها أثبات الجسمانية لله في قوله ( يد الله)
وينتج من هذا الاستنطاق كذب بعض الآيات بينما الوارد
أن جميع الآيات يصدّق بعضها بعضا فلا تجد آية تكذب أخرى، وما أمرنا أن نستنطق
الآيات القرآنية لكشف معانيها إلا على أساس عدم وجود الاضطراب بينها.
إن منهج
تفسير القرآن بالقرآن يعالج هذه الإشكالية بإرجاع المتشابه إلى المحكم بما
يلي:
( أ ) إلغاء
المعنى الظاهري للآية المتشابه
(ب) اعتماد المعنى الذي تنطق به الآية المحكمة.
و بمقارنة الآية المحكمة مع المتشابهة يتبين أن
المقصود ليست اليد الجسمانية وإنما شيء آخر مثلا كناية عن قدرته الفائقة جل وعلا ،
أو بمعنى النعمة كما في قوله (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) أي نعمه مبذلولة
للجميع
ثانيا: الجمع
بين المطلق و المقيد
استخدم القرآن أسلوب الإطلاق لدلالة على مراداته مثل:(
أقيموا الصلاة) فلم يحدد في هذه الآية وقت إقامة الصلاة و لا شروطها و لم يعين شيء
من أحكامها ؛ فيجوز بذلك أداء الصلاة في أي وقت و بأي كيفية .
و استخدم أيضا أسلوب التقييد :قال تعالى (أَقِمِ الصَّلَاةَ
لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُوداً)
ومع وجود هذين الأسلوبين لا يتسرع المفسر بالأخذ
بالمطلق بل عليه الفحص عن المقيد ومتى ما وجده يرجع إليه للكشف عن مراد الله تبارك
وتعالى فلا يكتفي بأحدهما ورجوع الآية المطلقة إلى المقيدة من باب تفسير القرآن
بالقرآن
ثالثا: توضيح
المجمل (غير الواضح)
أشار القرآن بقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ
الْأَنْعَام إلا ما يتلى عليكم) إلى حلية لحوم هذه الحيوانات و عبارة (إلا ما يتلى
عليكم) مجملة غير واضحة فيتبادر إلى أذهاننا تساؤل ما هو المقصود بما يتلى عليكم
فهل الدم مما أحله الله ؟ لا يمكن أن تكون هذه الآية بمفردها جوابا لتساؤلاتنا .
فهل يمكن أن نستفيد من منهج تفسير القرآن بالقرآن
في الإجابة على ذلك ؟
إن الآيات الغير واضحة الدلالة بسبب إجمالها يرجع فيها
إلى الآيات المفصلة المرتبطة بها إن وجدت .
إن الآية المذكورة ترشد بقوله ( إلا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ
) إلى أن ما ذكر له تتمة في مورد آخر من القرآن يتلى عليكم في موضعه، وعند الرجوع
للآيات القرآنية نجد قوله تعالى يفصّل في تحريم لحوم بعض الحيوانات قال تعالى(حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ
بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا
أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)
هذه العلاقة بين الآيات المجملة و الآيات المفصلة
المبينة تعتبر تفسير لأنها تكشف عن المراد من الآيات
رابعا: الرجوع
إلى السياق القرآني
(ذُقْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) بالنظرة الأولى لهذه الآية قد يفهم منه التكريم
وحسن الوفادة، و لفهم المراد لا نكتفي بالنظر إلى هذه الآية بمفردها بل نحتاج إلى
ضمها مع الآيات التي قبلها وبعدها أي السياق القرآني والأجواء القرآنية التي كانت
نتاج هذا التعبير ، فنجد قوله تعالى: (خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم * ثم صبوا فوق
رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هذا ما كنتم به تمترون
) وهذا يوضح أن الآية في معرض الذم و
التحقير و التصغير.
ويُعد هذا عذاب معنوي رزحي بالإضافة إلى العذاب الجسدي ؛ و المعنى: أنك أنت الذي قيدت البؤساء بأنواع العذاب و الظلم الذي تصبه عليهم كيف شئت و تعذبهم حسبما اشتهيت وكنت تظن أنك قوي لا تٌقهر عزيز لا تُذل، فركبك الغرور حتى أنك لم تدع ذنبا إلا أرتكبته و لا موبقة لم تأني بها فذق الآن ما جنيته بيدك و نتيجة أعمالك التي تجسدت أمامك وكما أحرقت أجساد المظلومين فليحترق داخلك و خارجك
ويُعد هذا عذاب معنوي رزحي بالإضافة إلى العذاب الجسدي ؛ و المعنى: أنك أنت الذي قيدت البؤساء بأنواع العذاب و الظلم الذي تصبه عليهم كيف شئت و تعذبهم حسبما اشتهيت وكنت تظن أنك قوي لا تٌقهر عزيز لا تُذل، فركبك الغرور حتى أنك لم تدع ذنبا إلا أرتكبته و لا موبقة لم تأني بها فذق الآن ما جنيته بيدك و نتيجة أعمالك التي تجسدت أمامك وكما أحرقت أجساد المظلومين فليحترق داخلك و خارجك
راجع: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن ( من ص 55 إلى ص 72 )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق