عُرِف
بأسماء متنوّعة، مثل التفسير الباطني، العرفاني، الشهودي، والرمزي. وهناك اختلاف في
وجهات النظر بين المفسّرين والمحقّقين بالنسبة إلى هذا المنهج وأنواعه. فهناك من ارتضى
بعض أقسامه واستفاد منه، ومنهم من رفضه واعتبره من التأويل والباطن.
معنى
المنهج الإشاري في التفسير
الإشارة
لغةً بمعنى العلامة والإيماء والّذي يعني اختيار أمر من الأمور (من القول أو العمل
أو الرأي)[1]. وقد
وردت هذه الكلمة في القرآن، كما في الآية ﴿ فَأَشَارَتْ
إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً ﴾ أي اختيار شيء
دلالة
الإشارة احد اقسام دلالات السياق، وهي دلالة الكلام على أمر غير مقصود للمتكلم
وغير متبادر لديه، و لا يراد من ظاهر كلامه، وإنما يكتشف و يستفاد من أمر آخر بالدلالة الالتزامية .
أمّا
الأمثلة لدلالة الإشارة :
فقوله جلّ شأنه : ( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ
كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ); فإنّه يدلّ بالدلالة المطابقيّة
على تعب الأُمّ في الحمل ، والفصال مدّة ثلاثين شهراً .
و قوله
تعالى : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) الذي
يدلّ بالدلالة المطابقيّة (ظاهر كلام المتكلم) على وجوب الرضاع حولين كاملين.
فإذا
لوحظت الآية الأول مع الآية الثانية، نتج أن أقلّ مدّة الحمل ، وهي ستّة أشهر ; وذلك
بطرح أربعة وعشرين شهراً من الثلاثين.
و
هذه النتيجة ليست مقصود في كلام المتكلم و لا يراد من ظاهر هذه الآيات.
ومن
الأمثلة: قوله تعالت أسماؤه : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَء ) ; فإنّه دلّ بعبارته على مدّة العدّة
، كما دلّ بإشارته و إمائه على إباحة تزوّج المرأة المطلّقة بعد انقضاء العدّة.
فهذه
الإشارات خفية في آيات القرآن و غير مدرجة في النص الظاهري وهي ليست موضوعاً لكلام
المتكلم ، بل اكتشافها يعتمد على العبور من ظواهر القرآن والأخذ بالباطن، أي استخراج
وفهم وتوضيح نكتة من الآية لا توجد في ظواهر الآية عن طريق دلالة الإشارة .
تطبيق
لمنهج التفسير الاشاري
ورد
في قصّة النبيّ يوسف عليه السلام أنّ إخوته وفي سبيل إحكام خطّتهم لإبعاد يوسف عن أبيه
قالوا لأبيهم: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
ظاهر الآية يحكي عن حياة يوسف ومكر إخوته لإبعاده عن أبيه، في حين أنّ هناك عبرة يمكن
استخلاصها من هذه القصّة وهي أنّ المخالفين لطريقة الهداية يحاولون أن يسرقوا أولادكم
بحجّة اللعب والقضايا المادّية، فلا بدّ أن تحذروا من ذلك. وهذه المسألة يمكن تطبيقها
في كلّ وقت بعد إلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والأفراد المذكورين في القصّة،
واستخراج قاعدة كلّية وعبرة تصلح للجميع.
و
النتيجة أن المراد من هذا المنهج:
استخراج
وفهم وتوضيح نكتة من الآية لا توجد في ظواهر الآية عن طريق دلالة الإشارة.
أو
أنه: لإشارات الخفية الموجودة في آيات القرآن
الكريم، والّتي تعتمد على أساس العبور من ظواهر القرآن والأخذ بالباطن.
الواقع
التاريخي لهذا المنهج
المنهج
الإشاري له امتداد في التاريخ حيث يرجع إلى صدر الإسلام، وله جذور في أقوال النبيّ
صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، فقد روي عنهم: أنّ القرآن له ظاهر
وباطن.
واعتبر
العلّامة الطباطبائي أنّ بداية هذا المنهج تعود إلى القرن الثاني والثالث الهجري، أي
بعد ترجمة الكتب الفلسفية اليونانية إلى اللغة العربية .
وقد
مرّ هذا المنهج بتطورات كثيرة وذهب كل مفسر إلى نوع من أنواع هذا المنهج، ولذا لا
يمكن الحكم على الجميع بحكم واحد؛ لأن هناك من سلك طريق الإفراط وهناك من استفاد
من المعايير الصحيحة .
أقسام
التفسير الإشاري ونماذجه
أولا: التفسير الإشاري الباطني غير الصحيح
ما
يعتمد على النظريات العرفانية و الأمر الذوقي، الذي يؤدي إلى منافاة الظاهر، بسبب
عدم مراعاة الضوابط المعروفة للوصول إلى الباطن أو الاستفادة من القرائن النقلية أو
العقلية، ومن الواضح أنّ هذه الطريقة تنتهي إلى التفسير بالرأي.
وتنقسم
هذه الطريقة إلى عدّة أنواع هي: ـ يُقسّم التفسير الإشاري غير صحيح إلى ثلاثة
أقسام: الشهودي (الفيضي)، النظري، الباطني.
الأول:
الشهودي: يعتمد على شعور داخلي يطهر داخل الإنسان على أثر الذكر و الأفعال أو
التأمل في أمر خاص.
ومثاله
في تفسير (مقام إبراهيم) حيث قالوا هو مقام الروح ، و ( الحجر الأسود ) هو الروح .
ومن
الصعب تشخيص المكاشفات الإلهية من المكاشفات الشيطانية، و لو استطاع الإنسان تحديد
المكاشفات الإلهية فإنها تكون حجة على صاحبها فقط، ولذا لا تصح وسيلة لتفسير
القرآن .
الثاني:
النظري: و يعتمد على نظريات المتصوفة
ومن
أمثلته: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾ قال: واذكر اسم ربّك الّذي هو أنت، أي اعرف نفسك
واذكرها ولا تنسها فينساك الله.
ومنه
راي القشيري (صاحب لطائف الإشارات) حيث يفسّر البسملة في كلّ سورة غير تفسيرها في سائر
السور.. بناءً منه على أنّها آية من كلّ سورة، وكلّ آية هي تجلّ لنعت من نعوته تعالى:
ولا تكرار في التجلّي، فيجب أن تكون في كلّ سورة بمعنى غير معناها في سائر السور
ويناقش
هذا القسم بأن القرآن لم يُنزل على المتصوفه فقط لكي يأخذ بنظرياتهم و أراءهم في
تفسيره .
الثالث:
الباطني: وقد أنكر بعضهم ظواهر القرآن والشرع،
وقالوا إنّ المقصود الحقيقي للقرآن هو الباطن فقط، بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك فقالوا
إنّ ظواهر العبادات والجنّة والنار إشارات إلى أسرار المذهب وأشخاص معيّنين (رؤسائهم).
مثال:
قالوا إنّ المقصود من الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة والمسجد الحرام أشخاص معيّنين
(أئمّة الباطنية) وإنّ معرفة الدِّين تكمن في معرفة ذلك الشخص.
ثانيا: منهج التفسير الباطني الصحيح
أشارت
بعض الأحاديث الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام إلى
أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، بل بطوناً متعدّدة، وهذا ما دعا بعض المفسّرين إلى الاهتمام
بباطن الآيات؛ لأنّه لا يتمّ فيه التأكيد على الإشراقات والشهودات القلبية والتأويلات
الّتي لا تستند إلى أيّ دليل، ولا يقوم على أساس تحميل المباني النظرية على القرآن،
ولا يسلك منهج الباطنية في التأويل.
نماذج
من التفسير الباطني الصحيح
1. وفي
الحديث، عن عبد الله بن سنان، عن ذريح المحاربي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إنّ الله أمرني في كتابه بأمر فأحبّ أن أعمله، قال: "وما ذاك"؟ قلت: قول
الله عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ﴾7 قال عليه
السلام: "ليقضوا تفثهم لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك، قال: عبد الله
بن سنان فأتيت أبا عبد الله عليه السلام فقلت: جعلت فداك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ
لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾ قال: أخذ الشارب وقصّ الأظفار وما
أشبه ذلك، قال: قلت: جعلت فداك إنّ ذريح المحاربيّ حدّثني عنك بأنّك قلت له: ﴿لْيَقْضُوا
تَفَثَهُم﴾ لقاء الإمام وليوفوا نذورهم تلك المناسك، فقال: "صدق ذريح وصدقت إنّ
للقرآن ظاهراً وباطناً، ومن يحتمل ما يحتمل ذريح"؟!
2. ورد
في قصّة النبيّ يوسف عليه السلام أنّ إخوته وفي سبيل إحكام خطّتهم لإبعاد يوسف عن أبيه
قالوا لأبيهم: ﴿أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾
ظاهر الآية يحكي عن حياة يوسف ومكر إخوته لإبعاده عن أبيه، في حين أنّ هناك عبرة يمكن
استخلاصها من هذه القصّة وهي أنّ المخالفين لطريقة الهداية يحاولون أن يسرقوا أولادكم
بحجّة اللعب والقضايا المادّية، فلا بدّ أن تحذروا من ذلك. وهذه المسألة يمكن تطبيقها
في كلّ وقت بعد إلغاء الخصوصيات الزمانية والمكانية والأفراد المذكورين في القصّة،
واستخراج قاعدة كلّية وعبرة تصلح للجميع.
مراحل
الحصول على البطن وتأويل الآيات:
البطن:
هو تجريد الآية النازلة في شخص معين أو في ظروف مكانية وزمانية خاصة عن هذه الظروف
و تأويلها بحيث تنطبق على الموارد المشابهة لها في كل زمان .
و
مراحل الحصول على الباطن هي:
1-
البحث عن هدف الآية.
2-
إبقاء ما لع علاقة بالهدف وحذف ما ليس له علاقة .
3-
استخراج مفهوم كلي من متن الآية يصب ضمن هدف الآية و حذف الخصوصيات و تطبيق الآية
على الموارد المتشابهة
تنبيه:
إذا شكل مورد نزول الآية أحد مصاديق المفهوم العام كان هذا التفسير صحيحا، أما إذا
لم تكن هناك مناسبة بين ظاهر التنزيل و المفهوم العام فإن هذا من قبيل التفسير
بالرأي
مثال
تطبيقي:
قال
تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا
قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾وفي
الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: " من حرقٍ أو غرقٍ، قيل فمن أخرجها
من ضلال إلى هدى، قال: تأويلها الأعظم"
إنّ
ظاهر الآية المتقدِّمة يتحدّث عن قتل وإحياء الإنسان، فقتل وإحياء أحدهم يعني قتل وإحياء
جميع البشر، وهذا هو الهدف الذي أرادت الآية بيانه.
و
بإلغاء خصوصية الآية وهي (قتل وإحياء الجسم المادّي) والحصول على مفهوم عام يشمل كلّ
أنواع الإحياء؛ يمكن الحصول على التفسير الباطني للآية وهو: إذا ما نجا الإنسان من
الضلال وهُدي إلى صراط مستقيم فإنّ روحه سوف تحيا بروح الإيمان والاستجابة لدعوة الحقّ؛
ومثل هذا العمل يعتبر إحياءً لجميع البشر.
معايير
التفسير الإشاري الصحيح
1. عدم
إغفال ظاهر الآية في التفسير، فلا يدعي المفسر في هذا المنهج أن المعنى الإشاري هو
المراد الوحيد للآية.
2. ينبغي
أن لا تكون الدلالة الباطينة أجنبية عن الظواهر، أي لا مُناسبة بينها وبين اللفظ، مثل ( الموت و
الحياة) في الآية السابقة، فإن هناك مناسبة بين حياة الجسم و الحياة المعنوية (
الهداية).
3. عدم منافاة التفسير الإشاري للأدلّة القطعية والآيات المحكمة في القرآن.
4. الاستفادة
من القرائن المعتبرة العقلية والنقلية .
5. استخراج
مفهوم عام تكون الآية أحد مصاديقه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق