درس رقم (4) منهج التفسير الروائي للقرآن [ ق 1]

يُعتبر منهج التفسير الروائي من أقدم المناهج التفسيريّة وأكثرها شيوعاً. وهو أحد أقسام "التفسير بالمأثور" أو "التفسير النقلي".
ولم يرتضِ بعض المفسرين إلّا هذا المنهج في التفسير ورفض بقيّة المناهج.

معنى التفسير الروائي
هو تفسير القرآن بالسُنّة ؛ و السنة هي: "قول وفعل وتقرير" المعصوم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام ، أي إنّه قد يصدر عن المعصوم كلامٌ في تفسير آية، أو يقوم بعمل (كالصلاة) يكون تفسيراً للآيات المتعلّقة بالصلاة، أو يقرر أمر ما إذا صدر عن شخص في حضور الإمام وأقرّه و أيّده بسكوته عن ذلك الأمر.

أهمية هذا المنهج:
1- ربط الأمة الإسلامية بتراث وثقافة ومنهج أهل البيت عليهم السلام
2- الضمان بتجنب تفسير الرأي.
3- معرفة ما يحتاج إلى تفصيل وتفريع وما يحتاج إلى تقييد وتخصيص.
4- هذا المنهج طريق موفق للتدبر والتفكر في آيات القرآن قال تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)

الأدوار التاريخية لمنهج التفسير الروائي
أولا:  عصر النبيّ صلى الله عليه وآله
أوّل من استخدم هذا المنهج النبيّ صلى الله عليه وآله، فبيَّن المسائل كليَّة في القرآن مثل (الصلاة، الصوم، الحج و..)فقال ( صلوا كما رأيتموني أصلي) و ( خذوا مني مناسككم ) ، وأوضّح موارد التخصيص والتقييد، وأبان الناسخ والمنسوخ.
ثانيا:  عصر أهل البيت عليهم السلام
استمرّت طريقة التفسير الروائي إلى عصر الأئمّة عليهم السلام فاعتبرت رواياتهم في ذلك لاطلاعهم على العلوم الإلهية قال عليه السلام ( علينا نزل قبل الناس ولنا فسر قبل ان يفسر في الناس فنحن نعرف حلاله و ناسخه و منسوخه ).
ثالثا: عصر الصحابة والتابعين
اهتمام الصحابة والتابعين بالروايات التفسيريَّة الواردة عن أهل البيت ، حتّى أنّ ابن عباس قال ما أخذت من تفسير القرآن فمن علي بن أبي طالب عليه السلام
رابعا: عصر جمع وتأليف الروايات التفسيريَّة
القرون الثلاثة الأولى
أوّل تدوين عند الشيعة؛ ما نسب إلى الإمام عليّ عليه السلام ، وقد ورد على شكل رواية مفصّلة في بداية تفسير النعماني، بالإضافة إلى مصحف عليّ بن أبي طالب.
وكان  للأئمّة عليهم السلام وأصحابهم تفاسير،  كـ :  تفسير  صاحب  العسكر  من  إملاء الإمام  الهادي عليه السلام ،  والتفسير المنسوب  إلى  العسكري
وقد ظهرت  التفاسير  الأُولى  في  المائة  الثالثة  ،  مقصورة  على  مجرّد  الرواية،  كـ  :  تفسير  القمّي  لعليّ  بن  إبراهيم  ،  وتفسير العيّاشي  لأبي  نصر  محمّـد  بن  مسعود  ،  وتفسير  فرات  بن  إبراهيم الكوفي  من  أعلام  الغيبة  الصغرى  .
القرن التاسع الهجري
 إلاّ  أنّ  هذه  النهضة  الروائية  للتفسير  قد  ابتليت  بالركود ،  لأنّ  التفسير  خطا خطوة  أُخرى  ،  ظهر  على أثرها المنهج  الاجتهادي  والعقلي  .
القرن  الحادي  عشر 
استمرّ  هذا  الأمر  إلى  بدايات  القرن  الحادي  عشر  من  الهجرة  ،  الذي عبّر  عنه  العلاّمة  الطباطبائي: بعصر  أساطين  الحديث  وجهابذة  الرواية
فقد دونت في تفاسير روائية كثيرة مثل: البرهان في تفسير القران للسيد هاشم الحسيني البحراني وتفسير نور الثقلين للحويزي و تفسير الدر المنثور لجلال الدين السيوطي عند اهل السنة
وبعد أن كان هذا المنهج يستخدم بصورة منفصلة عن المناهج الأخرى؛ أدرج مع بقيت المناهج الأخرى في تفسير القرآن كما فعل العلّامة الطباطبائي حيث يذكر البحث الروائي بعد كلّ مجموعة من الآيات.

كيف نستخدم الروايات في تفسير القران
أولا:  توضيح وتفسير الآية
قال تعالى: ( لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )
فريضة الحج مشروطة بالاستطاعة ، لكن ما هو حد الاستطاعة لأداء فريضة الحج، ومتى يكون المسلم مستطيعا لأداء هذه الفريضة ؟
هذه الآية محتملة لأمرين: إما أن يكون المراد القدرة المعتبرة في جميع العبادات وهي القدرة الجسدية، أو قدرا زائدا على ذلك، فإن كان المعتبر هو الأول لم يحتج إلى هذا التقييد (من استطاع إليه سبيلا )  كما لم يحتج إليه في آية الصوم والصلاة، فعلم أن المعتبر قدر زائد في ذلك، وليس هو القوّة الجسدية ، إذ لو كان تعالى أراد قوّة الجسم لما احتاج إلى ذكرها؛ لأننا قد علمنا مسبقا أنّ اللّه تعالى لا يكلّف نفسًا إلاّ وسعها، فتبين من خلال الروايات أن المراد القوة الجسدية مع القوة المالية والأمنية .
قال الإمام الرضا عليه السلام للمأمون (..وحج البيت فريضة على كل حال من استطاع إليه سبيلا ، والسبيل الزاد والراحلة مع الصحة ) 
فقد فسرت الاستطاعة في الأحاديث ب‍ " الزاد والراحلة ( أي الإمكانية المالية لنفقات سفر الحج ذهابا وإيابا ) والقدرة الجسدية والتمكن من الإنفاق على نفسه وعائلته بعد العودة من الحج "
ثانيا:  تطبيق الآية على مصداق
هذه المسألة على ثلاثة أنواع:
الأول: بيان مصداق واحد من المصاديق بغض النظر عن خصائص هذا المصداق مع العلم أن الآية لا تنحصر في هذا المصداق
قال تعالى في بيان كفارة اليمين: (فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم)  ولم تتطرق الآية إلى تحديد هذه الكسوة ولكن الروايات ذكرت ذلك واعطت تفاصيله فعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن ( أوسط ما تطعمون أهليكم ) فقال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك ؟ فقال : الخل والزيت والتمر والخبز لتتبعهم به مرة واحدة قلت ( كسوتهم ) ؟ قال : ثوب واحد .
أي يكفي الملابس التي تغطي الجسم كله حسب العادة بغض النظر عن نوعيتها ولو ذكر نوع معين فمن باب ذكر مصداق من المصاديق لا من باب حصر الكسوة في هذا النوع  .
الثاني: بيان المصداق الأتم والأكمل و الأبرز وعدم ملاحظة المصاديق الآخرى ولا تنحصر الآية بهذا المصداق
قال تعالى : (اهدنا الصراط المستقيم )  هذا الصراط اوضحته الروايات ؛ قال أبو عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : " اهدنا الصراط المستقيم " قال : ( هو أمير المؤمنين ومعرفته )
و لا يعني ذلك انحصار معنى الصراط المستقيم في أمير المؤمنين لأنه من الواضح أن الأنبياء بقية أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، دعوا جميعا إلى دين التوحيد الإلهي ، والالتزام به عقائديا وعمليا فهم كذلك أيضا
الثالث: بيان مصداق خاص تنحصر فيه
قال تعالى: ( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) والروايات تشير أن المصداق الوحيد لهذه الآية هو علي بن أبي طالب عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله : وقد انزل الله تبارك وتعالى بذلك آية من كتابه : ( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) وعلي بن أبي طالب عليه السلام أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع ، يريد الله عز وجل في كل حال .



راجع: دروس في المناهج و الاتجاهات التفسيرية للقرآن ( من ص 73 إلى ص 92 ) 

هناك 4 تعليقات: